مجدى حسين : منطق الثورة.. ومنطق استمرار نظام مبارك

موقع العمل :


الكاتب: مجدى أحمد حسين


هناك فارق جوهرى بين منطق الثورة ومنطق استمرار النظام السابق وكأن شيئا لم يكن. ويتسم الحكم الانتقالى بالخلط بين المنهجين. منهج الإعلان الدستورى مهما تكن التحفظات عليه وما تضمنه من ترتيبات لتسليم السلطة للشعب هو منطق الثورة التى لا تنحنى لدستور بائد وقوانين لم تعد شرعية. فالثورة تنشىء شرعية جديدة، وكان من المهم إجراء أقل قدر ممكن من التعديلات الدستورية والقانونية لنقل السلطة للمدنيين، وهذا ما حدث نظريا ولكنه لم ينفذ بعد وما زلنا نتوقع الالتزام بذلك. وليس مطلوبا من الحكم الانتقالى الدخول فى أى تعديلات أو إصدار قوانين جديدة غير عاجلة لأننا أمام حكومة مؤقتة وزائلة خلال شهور قليلة، كقانون دور العبادة، وليس من حق الحكومة أن تدلى برأيها فى قواعد الدستور المنتظر فهذه مهمة الجمعية التأسيسية المنتظرة. ولكن الأخطر من ذلك أن الحكم الانتقالى يتصرف فى أكثر الأمور العاجلة وكأنه يعمل فى إطار مشروعية النظام القديم.
وأتوقف اليوم عند مثل واحد. فبينما تشكو الميزانية من نقص السيولة إلى حد العجز المقلق، فإن حكومتنا السنية لم تقترب من الأموال المجمدة لكبار المفسدين لاستخدامها فى مصلحة الشعب، وكأن هناك احتمال أن يكون هذا المال حلالا. ونشرت صحيفة الدستور مؤخرا قائمة بمجرد عناوين ممتلكات الفاسد الكبير حسين سالم، فضاقت صفحتان من الجريدة بكل هذا الكم الهائل من الثروات استنادا لتقرير للرقابة الإدارية وليس لمصدر مجهول. بمنطق القانون السقيم الذى لا يصح فى هذه الحالة يقال أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته! وهكذا تبقى المليارات الموجودة تحت يدنا فى مصر ولم تهرب لأنها عقارات وشركات، مجمدة وندعى أننا مفلسون ونحتاج لقروض من الخارج بعشرات المليارات. المتهم برىء حتى تثبت إدانته تصلح لمجرم فرد متهم بارتكاب جريمة فى جنح الظلام وفى غياب شهود وهكذا. ولكن مجرما شهيرا ارتكب جرائمه على رؤوس الأشهاد وخرب وطنا بكامله، ليس من المحتمل أن يكون بريئا. بل أن محاكمته إن كانت قد بدأت بجدية منذ 4 شهور كانت قد انتهت. بل أن هروب حسين سالم الشريك الأول لمبارك فى نهب مصر هو دليل إضافى دامغ على أن عدم صدور حكم ضد حتى الآن مجرد ملاءمات سياسية ومراعاة لضغوط أمريكية وصهيونية. بمنطق الثورة هناك محاكم ثورية، بل يحدث فى غير عهود الثورات مصادرة للأموال، ووضع الشركات والأموال والعقارات تحت الحراسة أو تحت إدارة النائب العام وتدار لحساب المجتمع وتدخل أرباحها فى ميزانية الدولة. ولكن أيا من الأموال المجمدة للأسرة الحاكمة وكبار المفسدين المحبوسين وغير المحبوسين، لم يعلن عن أى تصرف فيها لصالح المجتمع، بادعاء أن القانون يأخذ مجراه!! وتقول الحكومة أنها تبذل قصارى جهدها لاستعادة الأموال المهربة إلى الخارج، بينما هى لم تضم مليما واحدا من الأموال المجمدة تحت يدها فى مصر للميزانية العامة. والإفراج عن سوزان ثابت وتبرئة كثير من المفسدين حتى الآن وتأجيل محاكمة مبارك إلى 3 أغسطس بدون داع أدلة جديدة على عدم جدية هذه المحاكمات لا بمنطق الثورة ولا بمنطق القانون البسيط بإجراءاته المعتادة التى تتسم ببعض البطء. بل تواصل الولايات تحريضها العلنى من خلال بعض المؤسسات المرتبطة بها (كارينجى مثلا) على وقف محاكمة مبارك. لقد تحولت أخبار الفساد المرعبة لعهد مبارك إلى موضوعات صحفية شيقة بل ووصلت إلى المغامرات الجنسية، لشغل الناس وتسليتهم. بينما لا تصدر أحكام إلا على بعض الصغار: جرانه والمغربى وربما العادلى هو كبش الفداء الأكبر لأسرة مبارك. بينما تواصل الحكومة إدارة البلاد وفقا لمنهج لجنة السياسات حتى فى شق الفساد (صفقة استيراد اللحوم من السودان عن طريق متهمين ومشبوهين بالحزب المنحل).
إن المحاكمات الناجزة وغير البطيئة هدف جوهرى لأنه إعمال لمنطق القصاص، وفى هذا أكبر إصلاح لأوضاع المستقبل، ولكننى أتحدث اليوم عن شق الأموال الضائعة والمغيبة رغم وجودها تحت بصر المصريين داخل مصر، ومما يشفى غليل المظلومين أن يروا هذا الأموال المنهوبة تستخدم فى بناء مصنع أو مستشفى أو مدرسة.
مجدى أحمد حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق